كانت يثرب على موعد وعدها الله إياه من الأمد الأول ليتغير فيها كل شيئ، ليصبح سكوتها حركة دائبة، وقلتها كثرة وازدحاماً . بعد البيعة الكبرى التي تمت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المسلمين اليثربيين في شعاب الجبال بين مكة المكرمة ومنى في أشهر الحج. ومن ذلك التاريخ بدأت يثرب رحلة جديدة من عمرها، مرحلة استقبال المهاجرين إليها من مسلمي مكة تمهيداً لاستقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي أواخر شهر صفر خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يصحبه أبو بكر الصديق رضي الله عنه ودليل لهما، ووصل ركب رسول الله إلى قباء في الثاني عشر من ربيع الأول بعد أن اشتدت الظهيرة، ومكث رسول الله صلى الله عليه وسلم في قباء من ظهر الاثنين 12 ربيع الأول إلى صباح الجمعة 16 ربيع الأول وخلال إقامته أسس المسجد الذي ما زال حتى الآن يعرف بمسجد قباء . وفي صباح الجمعة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه طائفة من المسلمين متوجهاً إلى قلب يثرب، وغير بعيد عن قباء حل وقت صلاة الجمعة فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار بين سالم بن عوف في بطن وادي رانوناء ومعه من حضر من المسلمين وأسس في ذلك الموقع مسجداً سمي فيما بعد مسجد الجمعة . كان الموقع الذي بركت فيه الناقة أرضاً خالية، فيها بقايا نخل وقبور قديمة، يجفف فيها التمر بعد جنيه، ورغب رسول الله أن يقيم فيها المسجد فسأل عن أصحابها، فأخبر أنها لغلامين يتيمين من بني النجار يربيهما معاذ بن عفراء الخزرجي، وسارع معاذ إلى التبرع بها، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبى إلا أن تشتري من الغلامين شراء فكان ذلك . وأمر صلى الله عليه وسلم بتسوية الأرض وتنظيفها، وخط لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها المسجد الذي أصبح اسمه: المسجد النبوي، وانتدب المسلمين للعمل في بنائه، وشارك فيه بنفسه فكان ينقل الحجارة واللبن على بطنه الشريف صلى الله عليه وسلم وانتهى من العمل في المسجد في وقت قصير . ومنذ قدومه صلى الله عليه وسلم بدأت سلسلة من التغيرات في يثرب وفي حياة سكانها، ومن ذلك إلغاء الاسم القديم للمدينة (يثرب) وإطلاق تسميات جديدة لها: طيبة وطابة .. والمدينة . بالإضافة إلى تغيير القيم والمفاهيم والبناء الجديد لشخصية الفرد والمجتمع . وقد اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم خلال الأشهر الأولى من استقراره في المدينة بالبناء العقدي للمجتمع الجديد، فكانت له مجالس يومية مع المسلمين في المسجد يحدثهم ويعلمهم ويقوي الإيمان فيهم ويستقبل أعداداً جديدة من سكان المدينة الذين لم يسلموا بعد فيسمعون منه وينطقون الشهادة بين يديه، فيكثر عدد المسلمين ويقل عدد المشركين . وشهدت المدينة في صفر من العام الثاني للهجرة نشاطاً عسكرياً جديداً فقد قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتصدى لقريش ويعاقبها على ما فعلته بالمسلمين في مكة ويظهر هيبة المجتمع الإسلامي الجديد، فوجه السرايا لقطع الطريق عن تجارة قريش معلنة تحول المدينة إلى مركز حركة عسكرية تتجه خارج حدودها . وتظهر قوة المجتمع الإسلامي الجديد وتهدد تجارة قريش . وفي السنة العاشرة من الهجرة توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتهت بوفاته أهم مرحلة في تاريخ المدينة المنورة وأعظمها على الإطلاق، رحلة بناء المجتمع الإسلامي الأول والدولة الإسلامية الأولى
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
0 التعليقات:
إرسال تعليق